كفر شكر و”جوجل إيرث”

الأربعاء, أبريل 1, 2009
الناشر:
مجله المصور

أتت إلىّ ابنتي ذات الأعوام العشرة لتنبئني، والسعادة تغمر وجھھا، باكتشاف لھا. فلما استفھمت منھا وھي تجذبني إلى محل الاكتشاف، قالت لي أنھا حددت موقع بلدتنا كفر شكر على برنامج للحاسب الآلي اسمه “جوجل إيرث”، وھو برنامج يتم تحميله مجاناً، ويظھر لك أي موقع في الأرض عن قرب شديد بمعالمه وتضاريسه ودروبه ومنازله. وأصرت على أن تريني اكتشافھا في التو واللحظة، وشرحت لي كيف أنھا تحركت بالمؤشر على شاشة الحاسب الآلي من موقع القاھرة إلى شمال الشرق قليلاً متابعة مسار الطريق الزراعي إلى بنھا، ومنھا بحزاء الرياح التوفيقي إلى كفر شكر فظھرت لھا المعالم الأخرى ملونة وواضحة، فھا ھو النيل يحف البلدة وما حولھا من قرى شمالاً، ومبان كثيرة متشابھة متلاصقة، ومزارع وحقول متناثرة.
وأخذت أتابع معھا محاولاً أن أحدد الأماكن التي نتردد عليھا، فھا ھو منزلي، وھا ھي بيوت عائلتي، ومكان المزرعة التي ورثتھا عن أبي، وھا ھو موقع قبره الذي دفن فيه مع أبيه وشقيقه، وھا ھو موقع مضيفة العائلة، وذاك مكان ماكينة المياه يظھر واضحاً وأمامه قناة المياه التي تسقي الزرع.
وأخذت أشرح لھا قصة ھذه الماكينة التي جددھا أبي منذ أكثر من ربع قرن لتعمل بالكھرباء بدلاً من السولار وبطاقة أكبر، وسط حماس البعض للتطوير واعتراض البعض الآخر، كما ھو الحال مع أي شئ مستحدث.

قاطعتني ابنتي وسألتني سؤالاً بريئاً، “ولكن ما الذي يميز كفر شكر عن غيرھا وعما حولھا؟” … وأخذت تتحرك بالمؤشر يمين اً ويساراً، وصعوداً وھبوطاً لتؤكد لي أنه لا فرق ھناك بينھا وبين ما تطالعه أعيننا من مواقع أخرى في محافظة القليوبية التي ننتمي إليھا أوما جاورھا.
لعل ھذا ما يظھر لأي عابر على القرى والمدن في أقاليم البلاد وأريافھا، لا يكاد يبين له الفرق بينھا وبين سواھا، فالمعالم متشابھة والألوان متكررة. وإن كان لابنتي عذر لصغر عمرھا، فلا عذر ھناك لمن سكن ھذه الديار وتقدم به العمر فيھا، ولكنه لم يعش ولم يختلط بأھلھا أو يحيا حقاً فيھا، ولم يتابع ما حدث لھا وفيھا من تغيرات عبر الزمن. فلم ير كفر شكر منذ عھد ليس بعيد، وبيوتھا الريفية تتوارى خلف الحقول والمزارع، ولم يرھا اليوم ومزارعھا تتوارى خلف المنازل والعمائر.

لم ير كفر شكر وھي تنتظر المواسم والموالد والأعياد والمناسبات بشغف وتستعد لھا بما تيسر، كحالھم مع “مولد الشيخة صالحة”، واحتفائھم بھا بموكب لكسوة الضريح وأناشيد وأطفال يھللون ويمرحون.
ثم يأتي المولد النبوي وبحشد أكبر عدداً من البشر يصحبھم جمع من المبتھلين والدعاة، ومن راكبي الخيول والجمال في موكب ذي أعلام، والأطفال بأعداد غفيرة يتنافسون في المسابقات والتھام الحلوى.

ولم ير ھذا العابر أعياد الفطر والأضحى تأتي فيتزين لھا الناس كل بقدر استطاعته، ومازلت أذكر مجموعة من الأطفال وقد ارتدى أغلبھم “بدلة ضابط” بيضاء أو كاكي، وآخرين “بجلابيب وطواقي” بألوان زاھية، وآخرين يرتدون “بيجامات مقلمة” تم شراؤھا لغرض العيد والفسحة على سبيل
التجديد، اختلافاً عما يسترھم في الأيام العادية، فھي تقوم بالغرض، في ظن آبائھم، استعاضة عن بدلة الضابط أو أي بدلة أخرى أغلى ثمن اً. ولكن الكل فرح بما ارتدى وما ھو مقبل عليه من لھو وركوب للمراجيح وسباق بالدراجات المستأجرة، وصور تُلتقط لھم وھم متكاتفو الأيدي جميعاً كأنھم يقولون لا فرق بيننا اليوم ولا فراق بيننا في الغد.