لابد من تفعيل أدوات التمويل المبتكر واللجوء للتمويل الميسر للعمل المناخي.
أكد الدكتور محمود محيي الدين، رائد المناخ للرئاسة المصرية لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخي COP27 والمبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بتمويل أجندة ٢٠٣٠ للتنمية المستدامة، أن العالم يمر بمرحلة غير مسبوقة من التغيرات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية شديدة السرعة، وهو ما نتج عنه تغير مراكز القوى على الأصعدة المختلفة، وتحول مركز الجاذبية الاقتصادية في العالم باتجاه الشرق.
وقال محيي الدين، في تصريحات إعلامية، أن التركيبة السكانية لدول العالم، والقدرة على التعامل مع تكنولوجيا العصر وتعظيم الاستفادة منها في ظل الثورة الصناعية الرابعة، وكذلك التغيرات البيئية والمناخية وما سينتج عنها من تغير في الأماكن الصالحة للعيش، هي كلها عوامل تمثل مربكات أمام الدول والمجتمعات، مؤكدًا أن القدرة على التعامل مع إيجابيات وسلبيات هذه المؤثرات هي ما ستحدد شكل النظام العالمي الجديد في القرن الحادي والعشرين.
وأوضح محيي الدين أن تغير المناخ يأتي في مقدمة المخاطر التي تهدد العالم، يليها الصراعات والأزمات الجيوسياسية، والأوبئة والجوائح، والأزمات الاقتصادية، مشيرًا إلى أن ترتيب هذه المخاطر يختلف باختلاف المناطق والمجتمعات حول العالم وأولويات الدول والشعوب.
وشدد محيي الدين على ضرورة التعامل بجدية مع أزمة تغير المناخ من خلال تعزيز الاستثمار في خطوط الدفاع الثلاثة في مواجهة الظاهرة، وهي تخفيف الانبعاثات الضارة، والتكيف مع تأثيرات التغير المناخي، والتعامل مع الخسائر والأضرار الناتجة عنه، موضحًا أنه في ظل الحاجة الملحة لهذا الاستثمار، يعاني العمل المناخي من فجوة تمويلية كبيرة لا يمكن سدها من خلال ١٠٠ مليار دولار تعهدت بها الدول المتقدمة عام ٢٠٠٩ لتمويل العمل المناخي في الدول النامية سنويًا ولم تف بها حتى الآن، وهو ما يؤكد الحاجة لإصلاح نظام التمويل العالمي وتفعيل أدوات التمويل المبتكر واللجوء للتمويل الميسر وتخفيف الاعتماد على الاقتراض كوسيلة لتمويل العمل المناخي.
وحذر محيي الدين من عدم التعامل بجدية مع أزمة تغير المناخ قائلًا إن تأثيرات هذه الظاهرة ستتجاوز الظواهر الجوية المتطرفة والحرائق والفيضانات، وستؤثر على حياة البشر وسبل عيشهم كما ستضر بالطبيعة والزراعة ونظم المياه، وسينتج عنها ما يعرف باسم اللجوء المناخي، أو الهجرة الاضطرارية للبشر من الأماكن الأشد تأثرًا بتغير المناخ إلى أماكن أخرى صالحة للعيش، وهو ما سيربك الدول والمجتمعات المختلفة مستقبلًا.
وقال محيي الدين إن الدول والمجتمعات لم يعد لديها رفاهية التمهل والتأمل فيما يدور حولها في ظل سرعة وشدة التغيرات التي يشهدها العالم، وأصبحت مطالبة بتوظيف إمكاناتها والاستثمار في مواردها للمشاركة بقوة في سباق التقدم.
وأوضح أن الصين تمثل للدول النامية نموذجًا للإرادة والإصرار على التقدم رغم صعوبة التحديات، حيث استفادت من التجارب الناجحة لدول أخرى وعملت على الاستثمار في الثروة البشرية والبنى التحتية وتعزيز خدمات التعليم والصحة، وخلقت نظامًا اقتصاديًا قادرًا على التصدي للصدمات، حتى تمكنت من التحول من بلد يضم سكانه أكثر فقراء العالم إلى بلد احتفل في عام ٢٠٢٠ بنهاية الفقر المدقع بين سكانه، وذلك في الوقت الذي تضم فيه دول متقدمة عشرات الملايين من السكان الذين يعانون من الفقر المدقع.
وفيما يتعلق بالمنطقة العربية، أفاد محيي الدين بأن الأزمة الاقتصادية العالمية في ٢٠٠٨ والتغيرات والاضطرابات السياسية في المنطقة منذ عام ٢٠١١، ثم جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا مؤخرًا، وغيرها من العوامل، شكلت تحديات وخلقت حالة من الأزمة المستمرة في المنطقة.
وأكد محيي الدين أن العالم العربي لديه من المقومات والعوامل المشتركة ما يؤهله لخوض سباق التقدم بقوة إذا ما توافرت الإرادة الحقيقية والتعاون البناء والاستثمار الجيد في الثروة البشرية من خلال تطوير نظم التعلم وزيادة المعرفة والاهتمام بالرعاية الصحية، موضحًا أن بعض الدول العربية ومنها مصر والمغرب والسعودية والإمارات وقطر لديها مبادرات جيدة لتطويع التكنولوجيا المتطورة لتنفيذ مشروعات واعدة في مجالات مختلفة، وهي نماذج تحتاج للتكامل والتعاون فيما بينها لتحقيق التقدم في المنطقة العربية ككل.
وأوضح أن التعاون والتكامل بين الدول العربية من شأنه ليس فقط تسريع وتيرة التقدم في الدول المستقرة ولكن أيضًا حل الأزمات في الدول التي تشهد اضطرابات مثل سوريا واليمن وليبيا والسودان ومن ثم ضمها إلى مسيرة التقدم.
وقال محيي الدين أن تحقيق التقدم المنشود في الدول العربية يتطلب في الأساس تشجيع الأفكار والابتكارات وصقلها، والاستثمار الجيد في البشر من خلال التعليم والصحة، وكذلك الاهتمام بالبنى التحتية وتطويرها.