لعل نشأة الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع منذ مائة عام تسوق الدليل على ھمة عجيبة ونهضة كبرى في عھد كانت مصر فيه ترزح تحت وطأة احتلال مستبد، يضيق على البلاد سبل العيش والتقدم، ومع ذلك أخذ رواد النهضة والاستقلال في إنشاء جيل يضارع أبناؤه في تعلمهم وأسس تكوينهم أقرانهم في أوروبا … ذلك لمن أتيحت له فرصة التعليم من المصريين.
فليست مصادفة أن يتزامن إنشاء الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي مع تأسيس الجامعة المصرية، والتوسع في إقامة المدارس في ربوع مصر، والشروع في ترجمة أمهات الكتب ومنها ما كان في علم الاقتصاد ما قام بتعريبه حافظ إبراهيم وخليل مطران بتكليف من أحمد حشمت باشا وزير المعارف المصرية ليكون في مقررات المناهج الدراسية في المدارس.
إن ھذا يرجع إلى جذور غرست في الإقبال على العلم وبإعادة إحياء واحد من فروض الدين وصالح الدنيا، على يد فريق من المتأدبة وأصحاب الدعوة لنهضة الأمة المصرية في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، بما جعل لمصر الحديثة قدراً فريداً مازال ينھل المصريون المحدثون من ريعه وقوة دفعه.
لقد فطن ھذا الجيل المنشئ لمؤسسات العلم والمعرفة أن سبيل الاستقلال يجب أن يمهد بإعداد جيل قادر على حمل لواء الحرية والتقدم، فكان رواد النهضة رافعين شعلة الأمل التي قادت الشعب من بعد ذلك للتحرير ونشدان التطور.
ولم يكن غريبا على جمعية، كانت ھذه ظروف نشأتها، أن تشهد بعد 10سنين فقط من تأسيسها وفي عام شهير في تاريخ الأمة المصرية ھو عام 1919، لم يكن غريبا أن تشهد الجمعية خطبة لسعد باشا زغلول معقبا فيها على محاضرة لمستشار أجنبي بمحكمة الاستئناف عن مشروع قانون العقوبات الذي قصد أن يأتي منسجما مع “الحماية البريطانية” وفقا لمفهوم المحتل، فيرفع سعد باشا صوته ببطلان الحماية أمام جمع غفير من رجال القانون والمثقفين. وكان من خطبة سعد باشا منذ تسعين عاما مضت ما أكد فيه أن “أمتنا المصرية ليست من قبيل الأقوام الهمج … وإنما بلد كبلدنا تكون له حياة ‘عريقة ‘في القوانين والشرائع”، ويحدد سعد باشا مبادئ رصينة في التعديلات التشريعية ووضع النصوص.