التعليم هو الحل

السبت, نوفمبر 5, 2011
الناشر:
www.project-syndicate.org

يتعرض العالم لوابل من المشاكل التي تتحدى كل الحلول السهلة؛ فالصدمات الاقتصادية تزعزع استقرار الدول والمناطق في ‫أنحاء العالم المختلفة، وتفرض مصاعب اجتماعية ومالية جمة على الأسر والمجتمعات، ويھدد الدمار البيئي إمداداتنا من‫الغذاء،والھواء الذي نتنفسه، والتنوع البيولوجي الثري الذي يحافظ على توازن الحياة، وتسفر الحروب والصراعات عن ‫الماليين من اللاجئين الجدد.

‫وھناك، فضالً عن ذلك، العديد من المخاطر الصحية الناشئة، مع تفشي مرض السكري، والسمنة، وغير ذلك من الأمراض غير‫المعدية في البلدان ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة، في نفس الوقت الذي تخوض فيه ھذه البلدان معركة شرسة ضد السل،
‫والإيدز، والملاريا، وغير ذلك من الأمراض المعدية.

ويبحث مئات الماليين من الشباب في أنحاء العالم المختلفة عن فرص عمل في سوق عمل يتسم بقدر عظيم من عدم اليقين. كما ‫أصبحت البنية الأساسية التي تعيننا على إنتاج الطاقة، ونقل السلع والبضائع، وإجراء معاملاتنا التجارية، خاضعة لضغوط ‫شديدة.

‫ليس المقصود من ھذه القائمة من المخاوف والھموم تثبيط الأمم، بل التحدي؛ فمع تزايد نُدرة موارد العالم المادية، يتعين علينا ‫أن نعتمد بشكل متزايد على المورد المتجدد المتاح والأفضل والأكثر ثباتا ً على الإطلاق- ألا وھو الإبداع البشري. وكما تصدى ‫العلماء ورجال الأعمال للمشاكل في الماضي، فقد جلبوا لنا الحلول من خالل الثورة الخضراء، واللقاحات الجديدة، وتكنولوجيا الاتصالات، والطاقة النظيفة.

‫لقد قدم لنا العلماء والزعماء الوسيلة لتحديد وحل المعضلات الاجتماعية والاقتصادية. وبفضل ارتفاع مستويات التعليم اكتسب ‫الناس المزيد من القدرة على السيطرة على أحوالهم الصحية، وظروفهم المنزلية، وحكوماتهم، وثقافتهم. وتُعد التحديات العالمية‫التي نواجھھا اليوم دليلا على احتياجنا إلى عالم من المختصين في حل المشاكل؛ فنحن في احتياج إلى عالم من البشر المنتجين ‫المرنين المبدعين الذين يتمتعون بالقدر الكافي من التنوع وتعدد المھارات للتعامل مع التكنولوجيا والثقافة من أجل إيجاد الحلول
‫للتحديات العديدة التي نواجھھا.

‫ويعيننا التعليم على بناء ھذا العالم؛ فالأسر التي تحظى بقدر أكبر من التعليم تصبح قادرة على التغلب بشكل أفضل على ‫الصدمات الاقتصادية والظواهر الجوية المتطرفة. ويتمكن الأشخاص الحاصلون على مستويات أعلى من التعليم من كسب ‫المزيد من الرزق، والتحكم في نسلهم بشكل أفضل، وإنجاب أطفال أكثر صحة وأفضل تعليما. والتعليم يعطي الناس المھارات  ‫اللازمة لكسب الرزق، والإبداع، والاختراع، والانتفاع بالثقافة، وكل ھذا من شأنه أن يسمح لھم بأن يعيشوا حياة أكثر إشباعا.
والنبأ السار في ھذا الصدد ھو أن المجتمع العالمي اجتمع على مساعدة كل الناس في اكتساب ھذه المھارات، وبنتائج حقيقية ‫ملموسة. ففي عام 0991 التزم تحالف واسع من الحكومات، والبنك الدولي، ووكالات الأمم المتحدة، ومنظمات المجتمع المدني،
‫بتبني استراتيجية “التعليم للجميع”. وبعد مرور عشرين عاما ً أحرز العالم تقدما ً كبيراً فيما يتصل بإلحاق األطفال بالمدارس ‫وتعظيم فرصهم في الوصول إلى التعليم الثانوي والجامعي. فعلى المستوى العالمي، يكمل 88 في المئة من الأطفال الآن‫المرحلة الابتدائية، ويستمر 76 في المئة منھم إلى أن يلتحقوا بالتعليم الثانوي.

‫بيد أن البلدان المنخفضة الدخل ال تزال بعيدة عن بلوغ الھدف المتمثل في ضمان إكمال كل األطفال مرحلة التعليم الابتدائي؛ ‫ففي ھذه البلدان يتمكن 36 في المئة فقط من الأطفال من تحقيق ھذه الغاية. وحتى اآلن يواجه الأطفال الفقراء والمعوقون، ‫والفتيات، والأقليات العرقية عقبات ھائلة تحرمهم الحصول على حقهم في التعليم.

والواقع أن العديد من البلدان تناضل لمجرد بناء المدارس بالسرعة الكافية لمواكبة النمو السكاني. ومن غير النادر أن نرى الفصول المدرسية المكتظة التي تفتقر إلى المعلمين المدربين والمستلزمات الأساسية للتعليم. ففي غمرة الاندفاع لتوسيع
الخدمات، أھملت المنظومة المدرسية في بعض الأحيان تنمية المعلمين مھنيا، وتقييم الطالب، بل حتى معايير البناء الأساسية.
‫لقد تعلمنا على مر السنين أن التحدي الحقيقي ال يكمن في إلحاق الأطفال بالمدارس فحسب، بل في مساعدتهم في اكتساب المھارات الالزمة للعمل، وتنظيم المشاريع، وإدارة الحياة األسرية، وممارسة المواطنة الحقيقية. والحق أن استراتيجية “التعليم
‫للجميع” التي تبناھا البنك الدولي أخيراً – االستثمار في معارف الناس ومھاراتھم من أجل تعزيز التنمية- تسلط الضوء على ھذه ‫الحقيقة الملحة. وھي تؤكد الحاجة إلى االستثمار المبكر، برعاية األطفال الصغار لضمان وصولھم إلى سن المدرسة أصحاء
وجاھزين لتلقي التعليم؛ واالستثمار الذكي، بتحسين المدارس من خالل تزويدھا بالمعلمين األكفاء والمواد والوسائل التعليمية ‫الجيدة واإلدارة الجيدة؛ واالستثمار من أجل الجميع، بإرساء األساس الالزم لبناء المجتمعات العادلة والمنصفة.

‫كما تعترف ھذه االستراتيجية، عن حق، بأھمية بناء األجھزة التي تدعم تنمية التعليم على نطاق واسع. وال شك أن توفير  ‫األعداد الكافية من المعلمين والمباني المدرسية والكتب المدرسية يشكل ضرورة أساسية، ولكن التعجيل بتنمية العملية التعليمية ‫يتطلب ما ھو أكثر من ذلك، فنحن في احتياج إلى أنظمة جيدة التصميم للتمويل، وتقييم الطالب، والتطوير المھني واإلداري، ‫وضمان الجودة، والرصد والتقييم، كما نحتاج إلى إقامة عالقات أكثر قوة وشفافية بين الحكومات المركزية والمحلية، وبين ‫الدولة والمؤسسات التعليمية الخاصة، وبين األسر والمجتمعات، ونحتاج أيضا ً إلى إقامة صالت أقوى بين المدارس وأرباب ‫العمل، لضمان حصول الخريجين على المھارات المنسجمة مع سوق العمل المتغيرة. وبوسعنا أن نتعلم الكثير من األنظمة التي ‫أظھرت قدرتھا على التحسن المستمر، في بيئات متنوعة مثل سنغافورة وشيلي وغانا وسلوفينيا وإنكلترا. وفي حين بدأ كل من ‫ھذه البلدان من نقطة انطالق مختلفة، فإن التقدم الذي تم إحرازه كان مدعوما ً باإلرادة السياسية الالزمة لقياس النتائج والتعلم من ‫المحصالت، وتحديد المسار المستدام للتغيير، وتنفيذ االستثمارات الذكية الفعّالة. ولتعزيز القدرة على تعلم الكيفية التي تتمكن بھا ‫النظم من تحسين أدائھا، شرع البنك الدولي في تنفيذ مبادرة كبرى لتقييم جودة السياسات التعليمية في أنحاء العالم المختلفة.
‫وستفيدنا قواعد البيانات الجديدة في إعداد بيان مفھرس بالسياسات التي تبنتھا الدول المختلفة لتعزيز العملية التعليمية في كل قسم ‫من أقسام النظام التعليمي، وفي مجاالت تتراوح بين السياسات الخاصة بالمعلمين إلى تقييم الطالب إلى آليات تمويل المدارس.

ويتلخص ھدفنا في تيسير انتشار السياسات والممارسات الجيدة، والسماح للبلدان باالستفادة من مجموعة متنوعة من األساليب والتوصل إلى فھم جيد لتلك األساليب التي قد تنجح في كل من ھذه البلدان.

‫إن الحجة المؤيدة لضرورة تحسين األنظمة التعليمية بالغة القوة واإللحاح. فما علينا إال أن نتخيل صورة لعالمنا بعد عشرين  ‫عاما ً من اآلن إذا تمكنا من تعليم جيل جديد من الشباب بالنحو الذي يمكنھم من امتالك القدرة على اإلبداع والمھارات الالزمة
‫للتصدي للتحديات االقتصادية والتكنولوجية العظيمة التي ستواجھھم. ولنتخيل بشكل خاص أن كل الفتيات حصلن على حقھن ‫في التعليم، وكل ما سيترتب على ذلك من فوائد عظيمة في مجاالت مثل النمو السكاني، والصحة والرفاھة االجتماعية، وتخفيف
‫حدة الفقر، وحقوق اإلنسان، والسياسة.

‫واآلن تخيل البديل والعالم الذي قد ينشأ عن ذلك البديل، ثم اسأل نفسك: في أي عالم من ھذين العالمين أريد أن أحيا؟