17-169-232. ليست هذه أرقام هاتف أو رموزاً بريدية ضلت طريقها إلى مقدمة المقال، بل هي أعداد الأهداف العامة السبعة عشر للتنمية المستدامة، والمائة وتسعة وستون هدفاً فرعياً التي تندرج تحت هذه الأهداف العامة، ولها مائتان واثنان وثلاثون مؤشراً لمتابعة الأداء. وستعقد قمة خاصة لقادة الدول المشاركين في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل لمناقشة مدى ما تحقق من إنجاز لهذه الأهداف منذ تدشينها في عام 2015. ولتيسير متابعة هذه الأهداف المتعددة فيمكن تقسيمها إلى أربع مجموعات: الأولى تتعلق بالأبعاد الاقتصادية كالنمو والتشغيل والإنتاج والاستهلاك والبنية الأساسية، والثانية تشمل الخدمات الرئيسية كالتعليم والرعاية الصحية والأوضاع الاجتماعية كعدالة الفرص ومشاركة المرأة، وتُعنى المجموعة الثالثة بالأبعاد البيئية وتغيرات المناخ، أما المجموعة الرابعة فتضم اعتبارات الحوكمة وكفاءة مؤسساتها في تحقيق تنمية شاملة لأبناء المجتمع كافة.
وتمهيداً لقمة القادة للتنمية المستدامة، عُقدت على مدار السنوات الأربع الماضية اجتماعات وزارية بمقر الأمم المتحدة لمناقشة وثائق المراجعات الطوعية المقدمة من قبل نحو 150 دولة نامية ومتقدمة مستعرضة رؤاها للتنمية حتى عام 2030. وكان من هذه الدول 16 دولة عربية، وعلمنا أن الدول العربية الست الأخرى في سبيلها لتقديم عروضها مستقبلاً. وتظهر المؤشرات المتاحة أن العالم ليس على طريق تحقيق أهداف التنمية، بما في ذلك هدف القضاء التام على الفقر المدقع. وتتعقد الأمور بما ينذر بأزمات إذا ما استمر نهج النمو الاقتصادي المنخفض المصاحب بتوترات في التجارة الدولية والنزوع إلى الإجراءات الحمائية، مع تراجع في الاستثمار الأجنبي المباشر وغموض توجهات السياسة النقدية مع زيادة المديونيات العامة الدولية.
ولعله من المفيد ونحن في طور الإعداد لقمة التنمية المستدامة القادمة أن نورد أهم الملاحظات على تجارب التنمية وفق القواسم المشتركة لعروض الدول ورؤاها بشأنها على مدار السنوات الأربع الماضية، التي انتهت آخرها في يوليو (تموز) الماضي:
• تباينت الدول من حيث مدى إدراجها أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك ما يتعلق بتحديات تغيرات المناخ، في إطار السياسات العامة. وفي حالات كثيرة ظهر انفصال بين الرؤية طويلة الأجل وطموحاتها والإجراءات التنفيذية المتبعة التي تنزع لقصر الأجل في نظرتها وانشغالها بإدارة الأزمات الحالة.
• ظهرت تحديات في منظومة التنسيق بين الجهات المعنية سواء بين الوزارات المعنية أو بين النسق المركزي والسلطات المحلية. ومن تجربة برامج أهداف الألفية للتنمية، التي انتهت في عام 2015، كانت معضلة تنسيق السياسات أكثر تعويقاً لإنجاز برامج التنمية من تحديات أخرى.
• لم تتقدم سوى أقل من 10 في المائة من الدول التي تقدمت بعروضها عن تطبيق برامج التنمية المستدامة بتقدير لتكاليفها وتأثيرها على موازناتها العامة، وكان من الواضح غياب وزراء المالية عند تقديم العروض، وإن ذكرت بعض الدول أن هناك تنسيقاً يتم بشكل أو بآخر. والعبرة هنا بمنهج إعداد الموازنة العامة؛ فهي التي تحدد، دون غيرها، أولويات النفقات العامة على مجالات التنمية ومصادر تمويلها. فإذا لم يتوفر لهدف من الأهداف بند من بنود الإنفاق فهو ببساطة، وبكل أسف أيضاً، لن يتم تحقيقه، وإن دُبجت في محاسنه وسُردت في مقاصده أبلغ الكلمات.
• ما زال دور القطاع الخاص في تحقيق أهداف التنمية مبهماً في كثير من الدول ولم يتجاوز الأمر بشأنه الحديث عن رغبات في مشاركات، دون وضع إطار محدد أو سياسة متكاملة يسترشد بها هذا القطاع، وبخاصة الشركات المتوسطة والصغيرة. فوفقاً لوثيقة تمويل التنمية التي تمت مناقشتها في مؤتمر أديس أبابا في عام 2015، يعتمد تمويل التنمية على دور وحجم غير مسبوقين للقطاع الخاص من خلال نظم للمشاركة والتحفيز وعمليات تمويل مبتكرة، وما زالت الفجوة كبيرة بين التعهدات المتبادلة وما هو متحقق في الواقع.
• هناك غياب للدور المنشود للمجتمع المحلي؛ فقد أوضحت تجارب التنمية أن نجاحها يعتمد على كفاءة المجتمع والسلطات المحلية في توفير الموارد والخدمات الأساسية. ومن دونها لا يشعر المواطن بتحسن، إن حدث فعلاً، في المؤشرات الاقتصادية الكلية كالنمو الاقتصادي والاستثمارات؛ ومن دونها يعاني الاقتصاد والمجتمع من تفاوتات في توزيع الدخل والثروة في بعدها الإقليمي، ومن دونها لا تتحقق أهداف الشمول والتضمين للكافة. ولتفعيل هذا الدور كان منتظراً أن توضح الموازنات على المستوى المحلي أولويات التنمية ومناهج المتابعة والتقييم. وفي تجارب الهند وكولومبيا وفيتنام وما قدمته هذه الدول ما يفيد من أمثلة لتجارب عملية لدور المجتمع المحلي في التعليم والصحة والمواصلات والبيئة والخدمات الأساسية كالنظافة وتدوير المخلفات وصيانة المرافق وشبكات المياه والصرف الصحي.
• لم تفِ قواعد البيانات المُلحقة بأكثر عروض رؤى التنمية المستدامة بوعود تحسين المعلومات عن مؤشرات التنمية وفقاً للقواعد الدولية المتفق عليها. فعلى سبيل المثال، فإن أرقام مؤشرات الفقر لم تتجاوز عام 2015 في كثير من الدول، فضلاً عن تساؤلات مشروعة عن مدى دقتها، وأرقام توزيع الدخل غائبة، ومؤشرات التعليم والرعاية الصحة ما زالت قاصرة على الكم وليس النوعية والكفاءة، والمؤشرات الرئيسية للبيئة وتغيرات المُناخ متقادمة أو غير مكتملة، أما مؤشرات الحوكمة فالفراغات أمام بنودها هي الغالبة في كثير من الدول النامية وبعض الدول المتقدمة أيضاً. هذا علماً بأن متوسط المؤشرات المتاحة لم يتجاوز نسبة 40 في المائة في دول نامية وأفضل الدول المتقدمة تجاوزت مؤشراتها المتاحة 70 في المائة بقليل. بما يستوجب مراجعة موضوعية لقضية البيانات الحيوية لعملية التنمية.
• رغم تحسن طرأ عن الحديث عن دور المرأة في التنمية، فيما يتجاوز ما هو محدد في الهدف الخامس للتنمية والمعني ببعد النوع الاجتماعي، إلا أن التفاوت في إدراج دور المرأة في التنمية والتقدم كان لافتاً بين الدول وعروضها على مدار السنوات الأربع الماضية. فمنها ما هو واضح ومحدد في سياساته وإجراءاته وسبل تمويله ومناهج إدراك المرأة لدورها المستحق، ومنها ما جاء مجاملاً محاولاً لمسايرة اتجاهات عامة دون خطة تنفيذية ومعايير للمتابعة. وما زالت مؤشرات التنمية والمشاركة تظهر غبناً وافتئاتاً على حقوق المرأة. هكذا تظهر مؤشرات فرص الحصول على العمل؛ فالبطالة بين النساء أكبر وأجورهن أقل وإن قمن بالعمل نفسه، وهكذا تفصح مؤشرات الفقر وسوء التغذية ورأس المال البشري فمشكلات النساء أشد وطأة، وكذلك الأمر بالنسبة لمؤشرات الشمول المالي. ويستوجب هذا تغييراً حاسماً في القوانين والسياسات المعوقة ليس من أجل المرأة فحسب، وإن كان هذا كافياً في حد ذاته، لكن من أجل المجتمع وتقدم اقتصاده.
وبعد فقدان عقد كامل من النمو والتنمية، بدأ من الأزمة المالية العالمية في 2008 لعل قمة القادة المقبلة تتيح فرصة، لا نبالغ في احتمالات نجاحها وإن كنا نتطلع إليه ولا نقلل من آثارها، فقد سبقتها قمم أخرى من قبل لم تسفر عن إنجاز يذكر في مضمار التنمية. ولعل القمة المقبلة يتيسر لها من التوفيق ما يجعلها تتجاوز التعهدات المعتادة إلى تحقيق تطور ملموس في حياة عموم الناس.