البديل التعاوني‬

الجمعة, مايو 25, 2012
الناشر:
www.project-syndicate.org

‫واشنطن، العاصمة ــ في عصر حيث أصبحت النماذج التقليدية للتمويل، وإدارة الشركات، والمسؤولية الشركاتية بشكل متزايد ‫محل جدال، إن لم يكن موضع تشكيك، فربما حان الوقت العادة النظر في النهج البديل الذي اتخذته التعاونيات الاقتصادية.
‫والواقع أن القيم الأساسية للتعاونيات ال تجسد الرؤية الإنسانية فحسب، بل وأيضا ً النهج العملي للإنتاج الذي تمكن بفضله ‫الناجحون من تحقيق الازدهار ــ وحفز النمو الاقتصادي في البلدان التي تحتاج إليه بشدة.

‫اتخذت الحركات التعاونية ھيئتھا في الأميركيتين، وأوروبا، وأستراليا، واليابان، في مطلع القرن التاسع عشر. نشأت أكثر ھذه ‫الحركات من اقتراح بسيط مفاده أن الناس العاديين من الممكن أن يتغلبوا على الصعاب في السوق من خلال التكاتف معا ً لشراء
‫وبيع السلع بأسعار معقولة، وسرعان ما أدركت الفوائد الإضافية المترتبة على تبادل المعرفة بين الأعضاء، وتشجيع الشمولية، ‫وبناء رأس المال الاجتماعي.

‫واليوم، تغطي التعاونيات مجموعة واسعة من الأنشطة، وتأتي في مجموعة متنوعة من الأشكال والأحجام، من المنظمات ‫الزراعية والاستهلاكية الصغيرة في أفريقيا إلى بعض العالمات التجارية الزراعية الرائدة وأكبر الشركات المقدمة للخدمات
‫المالية في أميركا الشمالية وأوروبا.

‫ووفقا ً للتحالف التعاوني الدولي، فإن التعاونية عبارة عن “مؤسسة ذات ملكية مشتركة وتدار ديمقراطيا”. ولكن تحت ھذا ‫التعريف تكمن مفاهيم خصبة تدور حول الجمعيات الطوعية، والمساءلة عن القرارات الاستراتيجية، والحرص على تحقيق
‫مصالح المجتمعات التي تخدمها التعاونيات.

‫ولقد ساعدت التعاونيات في توفير المعلومات والخدمات لمجتمعات ريفية نائية، وتمكين العاملين، وتوسيع الخدمات المالية، ‫والرعاية الصحية، والتعليم، والإسكان. وفي القيام بھذا فإنها نجحت في تبديل ھيئة الساحة الاقتصادية والاجتماعية في عدد ال
‫يحصى من المجتمعات. ووفقا ً لتقارير التحالف التعاوني الدولي فإن أكثر من 800 مليون شخص ھم أعضاء في التعاونيات في ‫مختلف أنحاء العالم.

‫وتشكل التعاونيات فضالً عن ذلك حصة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي في العديد من البلدان، وحصة مرتفعة بشكل خاص ‫من القطاعات الزراعية والاستهلاكية. وتُعد التعاونيات أيضا ً واحدة من أكبر الجھات العاملة على تقديم خدمات الوساطة المالية
‫للفقراء، وتخدم ما يقدر بنحو 78 مليون شخص على مستوى العالم ممن يعيشون بأقل من دولارين يوميا.

‫ال شك أن التعاونيات كافحت في بعض الأحيان لكي ترتقي بنفسها إلى المستوى المثالي. وفي الحالات الأكثر فجاجة، وقعت ‫بعض التعاونيات ضحية للسياسات الرديئة، أو الحوكمة الضعيفة، أو سوء الإدارة. وتتعرض تعاونيات أخرى لمخاطر نابعة من
‫تركزها في قطاع عمل واحد، أو سلعة واحدة، و/أو منطقة جغرافية واحدة.

‫كما تصارعت التعاونيات مع مسائل تتعلق بدخول وخروج الأعضاء، والكشف عن البيانات المالية، والتعامل مع القطاعات غير‫المتعاونة. وكثيراً ما واجهت الحكومات تساؤلات محيرة فيما يتصل بالتنظيم المالي وفرض الضرائب على التعاونيات، بما في
‫ذلك التعامل مع الأرباح والنظر في الإعفاءات.

‫والآن، في عالم أكثر قدرة على الحركة وأسرع تحضرا، فقد يتساءل المرء: ھل تتمكن التعاونيات من الحفاظ على طابعها ‫الأساسي، استناداً إلى الشمولية وتبادل المعرفة داخل المجتمع؟ وفي عالم حيث أصبحت الجغرافيا حاجزاً متضائلا أمام الأعمال
‫التجارية، فھل يكون بوسع التعاونيات أن تميز نفسها بالقدر الكافي باعتبارها نموذجا ً بديالا قابلا للتطبيق؟ أم أنھا سوف تتطور ‫بحيث تصبح قادرة على خدمة مجتمعات افتراضية، وتنظيم نفسھا حول مجموعات جديدة من التحديات والفرص؟

‫لقد أعلنت الأمم المتحدة عام 2012 “عاما ً للتعاونيات”. وھذا من شأنه أن يوفر فرصة جيدة لدراسة التاريخ غير العادي‫للتعاونيات، وتقيم مواطن قوتھا ونقاط ضعفها، وتعيد الحياة إلى المناقشة حول نموذج التنمية الذي يعد بضمان مستوى أعلى من
‫الشمولية، والملكية، وحرية الإرادة، والاهتمام بالمجتمع.

‫وينشط البنك الدولي في تطوير التعاونيات الإنتاجية والائتمانية في مختلف أنحاء العالم. ومن بين أبرز البرامج ھناك تعاونية ‫منتجات الألبان الھندية، والتي نجحت في خلق 250 ألف فرصة عمل، أغلبها في المناطق الريفية. وعلى نحو مماثل، ساعد بنك
‫المدخرات الوطنية والخدمات المالية في المكسيك في تعزيز المدخرات والمؤسسات الائتمانية التي تخدم الماليين من سكان الريف الذين كانت لتبعد إلى هوامش القطاع المالي الرسمي.

‫لقد أكد عمل سياسة البنك على فكرة مفادها أن منظمات المنتجين في المناطق الريفية تشكل لبنات بناء أساسية للتنمية الزراعية.
‫ولقد ساعد البنك الحكومات على مراقبة وتنظيم المؤسسات المالية التعاونية.

‫وفي حين نبحث عن حلول إبداعية لتحديات التنمية اليوم، فيتعين علينا أن نضع في الاعتبار ما الذي تستطيع حركة التعاونيات ‫أن تقدمه. وھذا ال يعني تعظيم الشمولية الاقتصادية، والإنتاجية الزراعية، وتعزيز الأمن الغذائي والاستقرار المالي فحسب، بل
‫ويشتمل أيضا ً على دروس تتعلق بممارسات العمل المسؤولة والمستدامة، وحوكمة الشركات، والعالقات المجتمعية. وينبغي لنا ‫أن نضع في الاعتبار كيفية تيسير انتشار أفضل الممارسات التعاونية وتجنب المخاطر الشائعة.

‫إن الحركة التعاونية كفيلة بدفعنا إلى التفكير بأساليب جديدة ملھمة. وال شك أن الاستفادة من النجاحات التي حققتھا التعاونيات ــ‫والتعلم من أخطائها ــ من شأنه أن يساعدنا في توسيع قائمة الخيارات في بحثنا عن المزيد من الشمولية ونماذج التنمية ‫المستدامة، وتوفير سبل جديدة لبناء المعرفة وتقاسمها.